(1)
يا سيدنا ..
ما أذنبنا
كل ما فى الأمر ،،
أن نهراً تدفق بسرعةٍ جنونية
و لم يستمع لنداءات الراجين من حوله
صدّقنا ، حاولنا أن نوقف تدفقه
إلا أن كل محاولاتنا باءت بالفشل
قرأنا عليه كل آيات الكتاب
ناشدناه بكل أسماء الله
و لكن يبدو أن النهر كان ملحدا
يبدو أن إهمالنا له كل تلك السنين
أيّسَه من كل شئ ،،
أيّسَه حتى من الله
النهر فى تدفقه لم يكن حنونا
لم يكن رفيقا بالجدر التى أسقطها
رغم صفائه الشديد
فإن اندفاعه أودى بترقرقه الذي يبهج الناس
أظهره كوحشٍ عابسٍ من وحوش الأساطير الإغريقية القديمة
إن الحكاية جدّ طويلة
لم تبدأ بتدفق النهر
و لم تنته بسقوط الجدران
(2)
لعلها بدأت مع ذلك الغريب
الذي زارنا من أمدٍ بعيد
و أخذ يحدثنا عن الخير و الحب و الحرية
لم نستطع وقتها أن ندرك ما حولنا
بل لم نستطع أن ندرك حتى ذواتنا
التي قد كان طبع عليها خاتم الزمان الأزلي
فقط أنصتنا لما يقول
و بعد سنينٍ قصيرةٍ من الإنصات ..
أحببناه
يا سيدنا
صدقنا – بالله – ما قصدنا حبه
ما قصدنا أن تتعلق آذان قلوبنا بصوته الرفيق
لكن ذلك حدث
أنت تعلم – يا سيدنا – أن ذلك ليس بملكنا
(3)
قد كان طيبا و عجوزا
ليس كل العجزة طيبين
لكن كل الطيبين عجزة
كان ينشدنا سيرة الوجود الأول
و كنا – رغما عنا – نرى الوجود الآخر
أرهق قلوبنا كثيرا
حينما مات
لم نبكه
فقط جئنا و جلسنا فى نفس المكان الذى كان يجلسنا فيه
ثم سرحنا
لم تسل دمعة من أيِّنا
لكننا – جميعا – سمعنا صوته يقص علينا آخر الحكايا
نعم ؛ آخر الحكايا كانت بعد موته
هكذا كل الطيبين
يأبون أن تكون خاتمة حكاياهم قبل الموت
و يأبون ألا يتموا حكاياهم
حينما كان يحدثنا – ببادئ الأمر – كنا نشعر بقطيراتٍ بريئة من الماء
كانت تبهجنا كثيراً
لم نكن ندرى ما تخبئه تلك القطيرات فى ضمائرها
حينما مات الغريب ، الذى تذكرنا أننا لم نعرف اسمه ..
بدأنا نشعر بسيال الماء
إلا أنه – لبراءة قلوبنا – أسعدنا أيضا
(4)
كان الغريب يقول لنا
إن الحب يحوى الثورة
و إن الثورة قد تكون سوداء
لكن الحب – دوما – أبيض
الحب قبل الثورة
قال لنا ؛
إن اشتدت الثورة سوادا
ابحثوا عن الحب
فالحب يأتى بالثورة ،
و لكنها – الخائنة – لا تأتى بالحب
لم نفهم
أذهاننا كانت معلقة بتفاصيل الحكاية
الحكاية التى لم تكتمل أبداً
(5)
يوما قال لنا حبشى
أتعرفون لماذا اتخذوا الأحباش عبيدا
لم نكن نعرف بالطبع
حيّرنا السؤال
لمَ لم يصبح النورديون هم العبيد
و الأحباش هم السادة ؟!!
يبدو أن الحكاية لا بداية لها
أو أنها بدأت من حيث لا ندرى
(6)
لم نكن نحن من فجرنا النهر
لكنه تفجر
لذلك – و لذلك فقط - ندمنا
ندمنا كثيرا
و قلنا ليتنا لم نفعل
إلا أن الأمر زاد التباسا علينا
كنا نريد أن نعلم
– نعلم و حسب –
ما هو الذى ليتنا ما فعلناه ؟!!
كان الغريب يقول لنا
لا ندم بلا فعل
و لا فعل بلا قرار
و لا قرار بلا عقل
و نحن لم نعقل و لم نقرر و لم نفعل
إلا أننا وجدنا أنفسنا نادمين
يبدو أن الغريب لم يعلمنا كل شئ
يبدو أنه كان يخدعنا
(7)
يا سيدنا
سنصلح ما أفسده النهر
إنا نادمون
اللوحة للفنان الفلسطينى / إسماعيل شموط
بعنوان ؛ إلى أين
0 comments:
إرسال تعليق