السلام عليكم
بداية ألفت نظر الجميع إلى أن الثورات عمل علمي ، وككل شيء خلقه الرب عز وجل فإن للثورة قوانينها وسننها المطردة في الكون ، بقي علينا أن نستكشفها لنأخذ بها ، وهنا أشير إلى عمل علمي رائع في هذا الصدد هو " نموذج بناء الثورات " للكاتب والعالم كرين بنتون ، وقد درسه وطبق نتائجه على الحالة المصرية التي أفضت إلى إفراز نظام عسكر يوليو الدكتور أحمد يوسف أحمد.
وفي مصر خصوصا هناك عدة مشاكل مرتبطة بالتثوير ، أهمها ما يلي:1- لكل ثورة لكي تقوم ثم تنجح مجموعتان من العوامل لابد من اجتماعهما كشروط لتحقق الثورة ثم نجاحها ، ** الأولى هي الشروط الموضوعية : فشل الطغمة الحاكمة في تحقيق حد أدنى من مبررات بقائها في السلطة ، وذلك بالفشل على صعيد القطاعات الرئيسة الثلاث [الحريات (والحمد لله لكل مواطن في مصر كامل الحرية في اختيار الطريقة التي يموت بها ، كما له مطلق الحرية في استعجال صدور قرار اعتقاله على وجه السرعة بدلا من انتظار وصوله بالدور فهو على كل حال جاي جاي) - الاقتصاد (الناس جعانة ومش لاقية تاكل وبتقتل عيالها وبتولع في نفسها قصاد مديرية امن بني سويف) - الاستقلال الوطني (ونحن بحمد الله الولاية الثانية والخمسين في USA لكننا مواطنون من الدرجة الالف)]**الثانية هي الشروط الذاتية : والتي تتطلب حداً أدنى من القدرة على التعبئة والحشد والتوجيه ، والوعي بمحاولات الالتفاف على الثورة وتطويقها أو إجهاضها ، أو الأقذر والأسوأ الانحراف بها عن مطالب أصحابها الأصيلة لتؤول ثمار دماء الثوار إلى مجموعة من الانتهازيين ، يعودون بالناس إلى نقطة ما تحت الصفر ، وهذه هي المشكلة المزمنة في مصر ، فمع توافر كل الشروط الموضوعية بكثافة ، إلا أن التاريخ المصري في معظمه يكشف عن غياب لمثل هذا النوع الفذ من الكيانات والقيادات القادرة على قيادة الثورة في خضم المعركة ووصولا إلى بر الأمان ، لدينا قيادات كثيرة تهييجية تثويرية حاشدة ، لكنها تفتقد إلى الوعي فتسرق الثورة منها ، ومع تكرار التجربة تسرب اليأس إلى كثير من النفوس ، وقارن هنا فقط للتوضيح نموذج الخميني وحاول تتبع خطواته الخطيرة في تسلسل أحداث الثورة ، وبالمقابل عرابي عندنا.
2- ثانية المشاكل هي الهزيمة النفسية قبل البدء ، والترديد غير الواعي لمقولات من قبيل أن الشعب المصري غير ثوري ...الخ الخ ، وقد يتطور الأمر لدى البعض فيصل إلى سب هذا الشعب فيقول أصله شعب ابن ........... ، بينما يتحذلق آخرون ويصكون لنا مصطلحا أو مصطلحين من قبيل : الثقافة السياسية للشعب المصري ، والطابع النفسي للشخصية المصرية ... الخ والحقيقة أنه ورغم الاعتراف بوجود قدر مما يسمى بالطابع للشخصية ووجود قدر متراكم من الثقافة السياسية لدى كل شعب إلا أن محاولة تفسير ذلك فيما يخص المصريين على نحو سلبي هو خطأ علمي قاتل بل نوع من التضليل إن أردنا الحقيقة ، فالعوامل الموضوعية المتوافرة تدفع الجماد للثورة لا البشر ، والتاريخ المصري حاشد بالثورات والانتفاضات إلى زمن قريب ، ولكني لن أخوض في استعراض تاريخي ، وإنما سأدلل على الأمر بطريقتين أخريين :(أ) أريد جوابا عن السؤال : لماذا تسليح ضابط الشرطة في بريطانيا عصا بلاستيكية ، بينما في مصر كل مخبر معه كلاشينكوف أو عوزي أو إم 16 على أقل تقدير ، ولماذا في بلد كبلدنا يكون الجيش 430,000 جندي وبعد استدعاء الاحتياط يكون 1,000,000 ، بينما أفراد الشرطة مليون ونصف (هههههههههههه تصدق فعلا أصله شعب جبان ، فلازم له مليون ونص بس) بميزانيات سرية مفتوحة
(ب) لماذا لا يتحرك كل من يسب هذا الشعب فيعمل هو ، كلما سمعت شخصا يشتم أو يسب قلت له : خلاص عندك حق ده شعب ميت وما عادش منه رجا ، وانت راجل دمك حر طيب قوم تحرك انت ، فيسقط في يديه ويقوا : وهو انا هاعمل ايه لوحدي ، فأضحك وأقول : فكذلك كل الثمانين مليونا هم هذا الرجل.الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون أن ترديد هذا الكلام أمر مقصود من أجهزة العدو ، لإحداث الهزيمة النفسية من قبل التفكير في التحرك أصلا ، فالتشخيص السليم للحالة المصرية ليس في أن الثمانين مليونا هم حفنة من الجبناء الراكنين إلى الدنيا ، وإنما أنهم ثمانون مليون "فردا" ولو كان منهم نصف مليون فقط يمثلون كتلة تتحرك بوعي وتنسيق لقلبت الدنيا ولم تقعدها ، وقد قال لنا أحد خبثاء النظام ذات مرة : أنا ليست وظيفتي قمع 80 مليون ، وإنما فقط فحصهم للاكتشاف المبكر لأي رأس تملك القدرة على التفكير والحشد ، فأقطفها بدري ، وبعدها لا ضرر من وجود 8000 مليون ساخط ، لأنهم حينها مجرد عجزةونفس هذا المعنى الذي عبر عنه هذا الوقح بهذه الفجاجة ، هو الذي عبر عنه العظيم طارق البشري بلغة محترمة وعلمية إذ قال " ومتى صار الشعب أفرادا فقد صار الحاكم فردا ، لزوال التكوينات الضاغطة " - 3بهذا فقط نعرف معنى حديث أبي مالك الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي (ص) قال ".... وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : الإسلام (الرؤية والأفق والمنهج والتصور ) والهجرة (تحقيق الوجود المادي المستقل لكيان الدعوة وتوفير قدر من حرية الحركة له ليتمكن من التحقق كواقع مادي ملموس) ، والجماعة (فلا قيمة لمليار فرد عاجز) والسمع والطاعة (الانضباط الجمعي والعمل وفق مخطط أهداف الأمة) والجهاد (ذروة الانطلاقة نحو التغيير) "وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اعلموا أنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمرة ، ولا إمرة إلا بسمع وطاعة"مفتاح التغيير اذن هو ضرورة وفرضية الانخراط في كيانات تؤتمن على هذا الدين وعلى مصالح هذه الأمة ، للبدء في تحرك جمعي موفق، وبدون الوصول إلى هذه الغاية فالطريق طويييييييييييييييل إن لم يكن مسدودا .4- خلط آخر مقصود يتعمده المضلون من أذناب الطاغوت ، هو اعتبار القمع والبطش دلالة على قوة النظام ، وللأسف فإن الفكر السلفي - مع كامل احترامي للجميع - مبرمج على هذا الاعتقاد ، وبالتالي تكون الحسبة الصحيحة لدى هؤلاء الحكماء أن الخروج مفسدة ، وأن الأمة "مستضعفة " بفتح العين ، بينما الحقيقة أن العكس هو الصحيح تماما ، فالأمة مستضعفة بالكسر أو متضاعفة ، بمعنى تكلف الإحساس الكاذب بالضعف ، والتحليل العلمي لعنف النظام يفرق بين عنفين : عنف النظام أول توليه للحكم وسط تفاؤل البسطاء وفرحتهم بتبدل الأوضاع وزوال النظام البائد ، وعندها وفي ظل ما يسمى بالشرعية الثورية أي القبول العام من قبل الناس للنظام وتسليمهم له وثقتهم فيه ، يقوم النظام وبسرعة بالبطش بكل خصوم " الثورة " فيصفي أعداءه ببكل عنف ليضمن استقراراه في كرسي الحكم ، هذا النوع من العنف علامة قوة للنظام ، حيث يؤيده الجماهير ، ويطالبونه بمزيد من القسوة مع " أعداء الثورة " ، أما النوع الآخر من العنف فبالعكس ، هذا كان في شباب النظام وباكورته وقبل انكشاف سوءاته وهو علامة قوة له ، بينما الثاني هو في شيخوخة النظام وضعفه وانحداره نحو نهايته ، وبعد افتضاح أمره وزوال كل شرعية عنه ، وهو علامة ضعف وخور أكيد ، إذ فقد كل أداة للخداع أو المخاتلة ولم يبق إلا البطش من أجل البقاء ، وهي معادلة محسومة النتيجة سلفا لصالح الشعب متى توافرت له آلية التحرك ، والذين لا يفرقون بين العنفين يستنيمون لهما معا ، بينما الصواب هو الاستنامة للأول ، ومواجهة الثاني وبجرأة 5- وأخيرا عذرا على الإطالة وأرجو ألا يفهم من كلامي عن الجماعة إرادة جماعة بعينها ، بل المراد مبدأ التكتل والاجتماع ، وإن كنت لا أتردد لحظة في أن أصرح بأن هذ الجماعة لا يمكن ولا يصح لها إلا أن تكون من أهل الدين والحركة الإسلامية بأي ٍّ من فصائلها ، وكل تكتل على غير نصرة كلمة الله ، والولاء لشرعه ودينه سيصير جزءا وحلقة جديدة من المشكلة لا الحل دمتم بخير وكل ثورة وانتم طيبين وأحرار وأعزاء
الإسلام هو الحل ولا أقصد به هنا أي حركة إسلامية بل اقصد عالم إسلامي يتوحد من جديد
ردحذفجزاك الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ردحذفتدوينة بالصميم يا عزيزي، أظنني بحاجة لقراءتها مرارا
للاحاطة بكل جوانبها لكن ما أستطيع قوله الان هو اننا كشعب عربي نحارب ( بضم النون ) على كل الجهات من الداخل والخارج حتى أصبحت معرفة العدو من الصديق مهمة عسيرة
تحياتي وبانتظار تحليلاتك القادمة