الأحد، 19 نوفمبر 2017

رسالة إلى وزير التعليم وكل من يهتم بالتعليم في مصر وكل من يطالب بتجديد الخطاب الديني

على الرغم أن مادة الدراسات هي مادة تخص الدراسات الجغرافية والتاريخية، لكن منهج الدراسات الاجتماعية للصف الثاني الإعدادي في الفصل الدراسي الأول هو منهج ديني في المقام الأول وليس تاريخا، ومكتوب بعاطفة دينية واضحة وبتعبيرات إيمانية تخص المسلم فقط، مثل أن يكتب "صلى الله عليه وسلم" كلما كتب اسم الرسول، بل وفيه من المعلومات ما يتعارض تماما مع الدين  المسيحي، وبالتالي يكون من الصعب على تلاميذ المرحلة الإعدادية ممن ينتمون للعقيدة المسيحية تقبل هذه المعلومات، لإنهم في دينهم المسيحي يتعلمون ما هو غير ذلك، فهل هذا أمرا تربويا أن نجبر طفلا أو صبيا على تعلم معلومتين متعارضتين وبعلمه ورضاه؟ وهل من العدل أن تكون الدروس المقررة على الجميع مفهومة وواضحة للطالب المسلم ومربكة ومحيرة للطالب المسيحي، ألم يكن من الأفضل أن يكون هذا الدرس أو الوحدة او المنهج في مادة التربية الدينية الإسلامية، فتكون الأمور أكثر عدلا وإنصافا، مثلما يحدث في المدارس التي أسسها رهبان مسيحيين، حيث لا يتعرض الطفل أو الطالب المسلم لأي تعاليم تغاير معتنقه الديني، فيشعر الجميع بالمساوة والعدل، ومن ثم ينشأون أسوياء،الأمر الذي يصب في صالح المجتمع كله.
تبدأ الوحدة الثالثة بتمهيد عن حاجة العالم لمجئ محمد لينشر قيم العدل والتسامح بعد أن ساد الفساد والظلم في جميع الأجناس، ثم ينتقل في الفقرة التالية للحياة الدينية في شبه حزيرة العرب، ويوضح أنها كانت مهدا لكثير من الأنبياء مثل هود وصالح وشعيب وإبراهيم وإسماعيل، ثم انتشرت اليهودية والمسيحية، كما بقى القليل منهم على الحنيفية ديانة إبراهيم، وهنا تبدأ صعوبة شرح هذه الفقرة لطفل مسيحي، حيث عليك أن تخبره أن الإسلام جاء لأن عقيدته فشلت في تقويم الناس، وهي بداية ليست مريحة لما تحمله من استعلاء ديني، فضلا عما تقره  أيضا من أمور لا يؤمن بها المسيحيون، فالمسيحية لا تعرف أنبياء بأسماء هود وصالح وشعيب، كما لا تعرف دينا اسمه الحنيفية، فكيف أشرح ذلك لإبني، وجدت صعوبة حقيقية فى توضيح أن ما سيدرسه هنا يمثل المفهوم الإسلامي، ويجب حفظه كما هو حتى لو كان عكس كل ما تعمله كمسيحي، هذه معاناة صعب شرحها، فأنت تعلّم ابنك أن يحفظ معلومات تقول له إنها ليست تاريخا وإنما هي ما يؤمن به أصدقاؤه المسلمون، بينما زميله المسلم سيتعلم أن هذا تاريخا ودينا في نفس الوقت، هذا ليس عدلا بجانب صعوبة المعلومات نفسها للطالب المسيحي واعتياد المسلم عليها بحكم معرفته المسبقة لها.
ثم يبدأ الفصل الأول من الوحدة الثالثة بتمهيد عن رسالة الإسلام التي أخرجت الناس من ظلمات الجهل والعبودية إلى النور والحرية، مرة أخرى تعبيرات استعلائية وعاطفية سيحفظها طالب مسيحي في درس يفترض إنه في منهج التاريخ وليس في حصة الدين، ثم يتحدث عن عام الفيل الذي ولد فيه الرسول، وهو نفس العام الذي حاول أبرهة الأشرم هدم الكعبة ليتحول الناس إلى كنيسته، ولا أعرف كيف طاوع ضمير من وضع هذا المنهج أن يكتب القصة هكذا بشكل يستفز مشاعر طلبة صغار ويربط فى جملة واحدة بين هدم الكعبة وتعمير كنيسة أبرهة في اليمن، رغم إنه في الدرس الثاني سيتحدث عن لجوء الرسول وأصحابه للحبشة لأن بها ملكا عادلا لا يظلم أحدا اسمه النجاشي، ولن يذكر أن النجاشي كان مسيحيا كما فعل في حالة أبرهة، ولا أعرف كيف نتحدث عن تجديد الخطاب الديني بهدف خلق جيلا جديدا أكثر تسامحا وقبولا للآخر، ثم نبروز ونوضح ونظهر أن من حاول هدم الكعبة كان مسيحيا بينما نخفي أن من لجأ إليه الرسول هربا من ظلم قريش كان مسيحيا، ولا أعرف أيضا ما يمكن أن يدور من حوارات بين التلاميذ باختلاف عقائدهم بعد كل حصة، خصوصا في ظل حالة استقطابية نمر بها.
في حصة التاريخ لا يستقيم أن نتحدث في أمور إيمانية بصفتها حقائق تاريخية، كما يجب أن نراعي في نفس الوقت التنوع الديني الذي يجعل هذه الأمور الإيمانية تختلف من دين لآخر، دون أن يتعارض هذا مع إيمان كل منا واحترامنا لكل ما نؤمن به، ولكنها فضيلة التخصص الذي يجب أن نعلم أبناءنا احترامها، وبالتالي يكون من الصعب على غير المسلم أن يتعلم فى كتاب التاريخ قصة نزول جبريل بالوحي على الرسول، ويكون من الصعب أيضا أن نذكر الإسراء والمعراج بصفتها أحداثا تاريخية، أو أن الله أرسل ملائكته لتحارب مع المسلمين في غزوة بدر، وأرسل ريحا قويا اقتلعت خيام المشركين وقذفت في قلبوهم الرعب في غزوة الخندق.
في حصة التاريخ أيضا يكون من المنطقي استخدام المصطلحات المتفق عليها تاريخيا، وخصوصا مع مفردات دينية، أو تمس عقيدة أخرى، فالمسيحي يعرف أن عقيدته اسمها "المسيحية" لا "النصرانية" كما ذكر في المنهج المقرر في كتاب التاريخ، والغريب أنها كتبت في صفحة المفاهيم بتعريف النصرانية أنها ديانة عيسى، اسم "عيسى" أيضا لا يعرفه المسيحيون، كما أن النصرانية في الأصل هي طائفة كانت منتشرة في جزيرة العرب، وطالما ذكرت في صفحة خاصة بالمفاهيم، فتعريفها الصحيح وفق التاريخ المسيحي أنها أطلقت على طائفة ابتدعت فكرا مختلفا عن العقيدة المسيحية، وكانت لهم تجمعات فى بعض البلدان العربية فكان يطلق عليهم مثلا نصارى مكة، نصارى الشام، نصارى نجران، أي وفق الإيمان المسيحي أيضا هي بدعة، هل من اللائق إذن ذكر هذه الأمور الملتبسة في كتاب تاريخ للمرحلة الإعدادية؟ علما بأن ما ذكرته هو مجرد أمثلة على سبيل المثال لا الحصر.
في مادة اللغة العربية أيضا يعاني الطالب المسيحي من وجود نصوص إسلامية كثيرة يتوجب عليه حفظها، وكان هناك من ينادي يتخفيف هذه النصوص أو على الأقل جعلها غير إلزامية الحفظ والتسميع، ولكن وجودها في مادة اللغة العربية يبقى في النهاية أمرا مفهوما، أما في كتاب تاريخ فهذا هو الأمر الغريب الذي يجب إعادة النظر فيه.
شمعي أسعد

نوفمبر 2017

ليصلك جديد المدونة

ادخل بريدك الالكتروني