السلام عليكم و رحمة الله
أصدقائى الأعزاء ،،
هناك الكثير من القناعات و الأفكارالتى تستحق أن نعيد النظر بها
من أهم هذه القناعات رؤيتنا لنظرية المؤامرة ،، و مفهومها عندنا
أتمنى أن تكون تدوينتى البسيطة معيناً على فتح الموضوع ،، و إعادة النظر به مرة أخرى
لن أطيل عليكم و اترككم مع التدوينة ،،،،،، أتمنى أن تحوز رضاكم
بين التمدد الحضارى و نظرية المؤامرة
1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري .
2- دوافع تبنى النظرية .
3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة .
4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية .
5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة .
1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري
تطرح نظرية المؤامرة كثيراً فى مجتمعاتنا العربية و الإسلامية - خاصة من أبناء التيارات القومية و الإسلامية - كنموذج تفسيري يفسر حالة الشرود الحضارى التى أصيبت بها أمتنا العريبة و الإسلامية فى القرون الأخيرة .
النظرية ببساطة ؛ تحاول تفسير الحالة العدائية المقصودة ضد الأمة من قبل العديد من الأطراف ، و التى أخذت أشكالاً مختلفة بدءاً بالعداء المقنع الذى قد لا يتضح إلا بمرور زمن طويل من خلال رصد الأحداث التاريخية و تحليلها ؛ وصولاً إلى العداء المباشر و الذى قد يأخذ شكلاً عسكرياً ، مروراً بالأشكال العدائية المختلفة و التى قد تتمثل فى التحالفات و التلاعب بموازين القوى ، أو الحروب الاقتصادية ، أو عمليات الغزو الفكري و الثقافي، و غيرها من الأشكال المختلفة التى تساهم فى تكريس هذه الحالة .
و مما زاد من قدرة هذه النظرية على التفسير ؛ الدرجة التى وصلت إليها دولنا العربية و الإسلامية من التراجع الفكري و الحضاري ، و أيضاً المصادفات التاريخية التى وضعتنا – تقريبا – فى حالة عداء مع كل الأطراف المغايرة .
الأمر الذى أظهر هذه الأطراف كلها و كأنها متفقة على مناصبة أمتنا العداء ، بغض النظر عن أى مشروع فكرى أو ثقافى تطرحه هذه الأطراف .
فانطلاقاً من نظرية المؤامرة ؛ نستطيع أن نفسر كل المشاريع الفكرية الإنسانية التى تبنتها الأطراف المغايرة ، بأنها مشاريع إنما وضعت لتبرير الظلم الواقع علينا من قبل هذه الأطراف .
و قد بالغ البعض فى اعتبار هذه النظرية النموذج الأمثل لتفسير كل ما أصابنا من شر ، بغض النظر عن أى عوامل داخلية أو حضارية استلزمت ما حدث لنا ، فمن وجهة نظرهم أن هذه العوامل الداخلية هى أيضاً كانت بفعل الأطراف الخارجية الشريرة المتآمرة على أمتنا النبيلة البريئة الطاهرة .
2- دوافع تبنى النظرية
كما أشرنا ؛ فإن هذه النظرية تعد من أكثر النظريات رواجاً لتفسير ما أصاب دولنا العربية و الإسلامية - على وجه الخصوص من قبل أبناء الاتجاهات الفكرية القومية و الإسلامية - و ذلك له العديد من الأسباب من أهمها :
1- حالة الركود التى أصابت أمتنا ، و التى - بلا شك - لها العديد من الأسباب الخارجية ، و الدلائل المبينة على ذلك .
2- ظهور العديد من المرجعيات الفكرية و الفلسفية المغايرة فى القرون الأخيرة ، خاصة فيما يعرف بمرحلة التنوير بأوروبا و العالم الغربي ( الشيوعية الماركسية و اللينينية ، العلمانية ، الليبرالية ، الفاشية ، و غيرها ) .
3- ارتباط المرجعيات الإسلامية بمفهوم القداسة ، التى نتجت عن استقاء أصول و ثوابت هذه المرجعية من الدين الذى يحمل قدسية خاصة عند معتنقيه ، مما أصبغ على هذه المرجعيات فكرة الصواب المطلق ؛ و بالتبعية فكرة الخطأ المطلق على ما يغايرها ، و ذلك و إن لم يكن بشكل فكرى خالص - نتيجة الاعتقاد فى أن الفهم البشرى للدين و استقاء الأصول منه يختلف عن الدين المقدس فى حد ذاته - فإنه بلا شك تم بشكل عاطفى و نفسى نتيجة الخلاف الواضح و الصريح بين ثوابت و قيم الدين و بين العديد من الأصول و المنطلقات لهذه المرجعيات المغايرة ؛ خاصة فى فلسفاتها حول الوجود البشرى و أهدافه ، مما أحالها - من هذه النظرة - إلى مشاريع فكرية شريرة و هادمة .
4- ارتباط المرجعيات القومية بالمكان ، فالمكان هو جزء من المرجعية و يحدد كثيراً من منطلقاتها ، فبزوغ مرجعيات أخرى من أماكن مختلفة ، حينما تواكبه حالات الضعف و الاضمحلال ، يؤدى إلى اتهام هذه المرجعيات بالعدائية و من ثم فإن ذلك يكرس لنظرية المؤامرة و يؤكد على صحتها .
5- الظروف التاريخية ؛ التى مرت بها أمتنا ، و التى يمكن تفسير الكثير منها من خلال نظرية المؤامرة .
كل هذه الأسباب و غيرها ، أدت إلى رواج نظرية المؤامرة و تدعيمها ، بل و اعتبارها - فى بعض الأحيان - ثابت كونى لا يصح النقاش حوله .
3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة
على الرغم من قدرة نظرية المؤامرة التفسيرية للعديد من الظواهر التى مرت بها أمتنا ، إلا أنها وقفت عاجزة أمام الكثير من الأمور ؛ التى لا يمكن تفسيرها انطلاقاً من النظرية ، من أهم هذه الأمور :
1- الصراعات العنيفة التى دارت بين المرجعيات المختلفة و المغايرة تماما ؛ و هو ما ينفى أى شبهة تآمر أو تخطيط مسبق ؛ ذلك أن بعض هذه الصراعات وصلت إلى درجة التعدى العسكرى ، و هو ما يؤكد أن منطلقات هذه المرجعيات المغايرة لا يمكن اختزالها فى منطلقات تآمرية و حسب ، و هذه الصراعات قد تصور لنا أن المعركة هى معركة وجود بين مختلف الأطراف .
2- الخلافات الفكرية العنيفة بين المرجعيات و الايديولوجيات المغايرة ؛ بل و حتى بين أتباع الايديولوجيا الواحدة ، و التى عند تأملها نجد أنه قد بذل فيها مجهود فكرى و تنظيرى ضخم جداً ، و هو ما يصعب ترجمته من خلال نظرية المؤامرة .
3- غياب الدافع الحقيقى للتآمر عند الكثير من منظرى و أتباع المرجعيات المغايرة ، فلو افترضنا أن هذا التآمر هو ضد الفكرة الإسلامية ؛ فبماذا نفسر تآمر الكثير من اللادينيين أصحاب المذاهب الفكرية المختلفة .
4- البعد التاريخى ؛ و الذى يؤكد أن كثيرا من المرجعيات و الايديولوجيات المختلفة ، هى أصلاً مؤصلة من قبل ظهور الإسلام و تبلور الثقافة العربى ، فنظريات فلاسفة اليونان و الصين و مصر القدماء ؛ مليئة بالأفكار التى تتشابه إلى حد بعيد مع المرجعيات الغربية المغايرة ، فعلام كانت تتآمر هذه النظريات القديمة إن لم تجد أصلاً ما تتآمر عليه !!!!
5- الاقتناع الكامل بالكثير من المرجعيات الغربية من قبل العديد من المفكرين العرب و المسلمين ؛ مع احتفاظهم بالانتماء الوطنى و القومى ، و العدائية الكاملة لأعداء الأمة ، و هنا مثلاً لو ضربنا مثالاً على المرجعيات اليسارية ؛ فلاشك أن اليسار المصرى أو المغربى – برموزه البارزين - لم يتحالف يوماً مع اليسار الإسرائيلى .
هذه الأمور و غيرها ، لم تستطع – فى رأيى – نظرية المؤامرة ، إيجاد تفسيرات مقنعة لها .
4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية
أقصد بالمطلقية هنا ؛ الاعتقاد فى صحة النظرية المطلقة ، و اعتبار النظرية ثابت و منطلق نستطيع التحرك منه .
هنا ستصادفنا عدة إشكاليات من أهمها ؛ أن نظرية المؤامرة هى نظرية تفسيرية ، و التفسير يشغل موقعاً خطيراً و حساساً فى منظومة الفكر العام ، ذلك أن التفسير هو الذى يحدد المنطلقات و الغايات و الأهداف ، من هنا فإنه إن حدث خلل واضح فى التفسير ، فإن ذلك يوقعنا فى شرك الشرود الفكرى ، و من ثم فإنه يكرس لحالة الشرود الحضارى .
من السلبيات التى ستواجهنا أيضاً ، رؤية الآخر بنظرة معينة تقضى بأنه عدوٌ متآمر ، و من ثم رؤية كل ما أتى به على أنه منهج تآمرى فاسد ، و لا يحمل أى وجاهة و لا مبررات فكرية أو منطقية ، و كل ما يحويه من خير إنما هو من باب التمويه و دس السم فى العسل ، و ذلك المبدأ يخالف الطبيعة الإنسانية و البشرية ، و التى تقضى بأنه من المستحيل أن يجتمع كمٌ هائل من البشر على شر محض ، كما أنه يضعنا فى خانة العداء الشديد مع كل الأطراف المغيرة ، و هو ما ينقلنا إلى نقطة فى منتهى الخطورة ، و هى انتشار روح اليأس و الإحباط ، ذلك أن العالم كله يقف ضدنا .
توجد أيضاً إشكالية كبيرة ، و هى إلى حد ما تتعلق أيضاً بالاشكالية التفسيرية ، و هو أن كل الأسباب الداخلية و الحضارية التى أدت إلى تراجعنا و شرودنا ، سيتم إهمالها و يعول بشكل كبير على الأسباب الخارجية التى هى السبب الأول فى كل ما حدث لنا ، و بالتالى فإن المهمة الكبرى المنوطة بنا هى البحث عن نقاط ضعف أعدائنا و إظهارها ، فتتكاثف الجهود لذلك ، مهملة تماماً ، البحث عن نقاط القوة فى الذات و تدعيمها ، أى أننا سننشغل بهدم الآخر عن بناء أنفسنا .
كل ما ذكرته من سلبيات و إشكاليات ؛ فغنه يتعلق بالاعتقاد فى مطلقية النظرية ، لأن إهمال النظرية تماماً ، و الرؤية البريئة للآخر ، لها أيضاً العديد من السلبيات التى ربما تفوق ما قد سبق ، و لكن - فى رأيى – أن الأمر يصبح مفهوماً أكثر ، إذا فهم من خلال نموذج التمدد الحضارى و الفكرى .
5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة
فكرة التمدد الحضارى و الفكرى ؛ يتناولها البعض تحت عنوان صراع الحضارات ، و هو ما أرفضه ظناً منى أن الأمر تحت هذا العنوان يفقد الكثير من قدرته التفسيرية للكثير من الأحداث التاريخية التى مر بها الجنس البشرى .
الفكرة ؛ يمكن التعبير عنها بأن كل فكرة إنسانية – بسيطة كانت أو معقدة – بمجرد توليدها ، فإنها تدخل فى معركة لإثبات الوجود و الانتشار و السيادة على بقية الأفكار الأخرى المطروحة ، و هكذا الأمر يطبق على الايديولوجيات و المرجعيات المختلفة ، فكل منها يسعى للتمثل على أرض الواقع فى نموذج حضارى سائد و مثالى .
و هنا نجد أن الفرق واضح و كبير بين هذه الفكرة و بين نظرية المؤامرة ، فنظرية المؤامرة تفترض السعى لهدم الآخر ، أما فكرة التمدد الحضارى فتفترض السعى من أجل إثبات الوجود .
و انطلاقاً من هذه النقطة ؛ فإننا لا ننفى الخيرية و الوجاهة عن المرجعيات و الأفكار الأخرى ، و لا نفترض العدائية المباشرة بين الأطراف الأخرى ، و لكننا فى ذات الوقت لا نفترض حسن النية المبالغ فيها ، لأننا نعلم أن النماذج الحضارية المختلفة تسعى فى النهاية لإثبات وجودها ، بل و سيادتها على النماذج الحضارية الأخرى .
فى الختام ،، أعلم أن الموضوع كبير و معقد ، و لا يمكن تغطية كل جوانبه فى تدوينة بسيطة ، و لكن فى النهاية أتمنى أن أكون استطعت إيصال وجهة نظرى لحضراتكم ،،،، و الله المستعان .
1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري .
2- دوافع تبنى النظرية .
3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة .
4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية .
5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة .
1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري
تطرح نظرية المؤامرة كثيراً فى مجتمعاتنا العربية و الإسلامية - خاصة من أبناء التيارات القومية و الإسلامية - كنموذج تفسيري يفسر حالة الشرود الحضارى التى أصيبت بها أمتنا العريبة و الإسلامية فى القرون الأخيرة .
النظرية ببساطة ؛ تحاول تفسير الحالة العدائية المقصودة ضد الأمة من قبل العديد من الأطراف ، و التى أخذت أشكالاً مختلفة بدءاً بالعداء المقنع الذى قد لا يتضح إلا بمرور زمن طويل من خلال رصد الأحداث التاريخية و تحليلها ؛ وصولاً إلى العداء المباشر و الذى قد يأخذ شكلاً عسكرياً ، مروراً بالأشكال العدائية المختلفة و التى قد تتمثل فى التحالفات و التلاعب بموازين القوى ، أو الحروب الاقتصادية ، أو عمليات الغزو الفكري و الثقافي، و غيرها من الأشكال المختلفة التى تساهم فى تكريس هذه الحالة .
و مما زاد من قدرة هذه النظرية على التفسير ؛ الدرجة التى وصلت إليها دولنا العربية و الإسلامية من التراجع الفكري و الحضاري ، و أيضاً المصادفات التاريخية التى وضعتنا – تقريبا – فى حالة عداء مع كل الأطراف المغايرة .
الأمر الذى أظهر هذه الأطراف كلها و كأنها متفقة على مناصبة أمتنا العداء ، بغض النظر عن أى مشروع فكرى أو ثقافى تطرحه هذه الأطراف .
فانطلاقاً من نظرية المؤامرة ؛ نستطيع أن نفسر كل المشاريع الفكرية الإنسانية التى تبنتها الأطراف المغايرة ، بأنها مشاريع إنما وضعت لتبرير الظلم الواقع علينا من قبل هذه الأطراف .
و قد بالغ البعض فى اعتبار هذه النظرية النموذج الأمثل لتفسير كل ما أصابنا من شر ، بغض النظر عن أى عوامل داخلية أو حضارية استلزمت ما حدث لنا ، فمن وجهة نظرهم أن هذه العوامل الداخلية هى أيضاً كانت بفعل الأطراف الخارجية الشريرة المتآمرة على أمتنا النبيلة البريئة الطاهرة .
2- دوافع تبنى النظرية
كما أشرنا ؛ فإن هذه النظرية تعد من أكثر النظريات رواجاً لتفسير ما أصاب دولنا العربية و الإسلامية - على وجه الخصوص من قبل أبناء الاتجاهات الفكرية القومية و الإسلامية - و ذلك له العديد من الأسباب من أهمها :
1- حالة الركود التى أصابت أمتنا ، و التى - بلا شك - لها العديد من الأسباب الخارجية ، و الدلائل المبينة على ذلك .
2- ظهور العديد من المرجعيات الفكرية و الفلسفية المغايرة فى القرون الأخيرة ، خاصة فيما يعرف بمرحلة التنوير بأوروبا و العالم الغربي ( الشيوعية الماركسية و اللينينية ، العلمانية ، الليبرالية ، الفاشية ، و غيرها ) .
3- ارتباط المرجعيات الإسلامية بمفهوم القداسة ، التى نتجت عن استقاء أصول و ثوابت هذه المرجعية من الدين الذى يحمل قدسية خاصة عند معتنقيه ، مما أصبغ على هذه المرجعيات فكرة الصواب المطلق ؛ و بالتبعية فكرة الخطأ المطلق على ما يغايرها ، و ذلك و إن لم يكن بشكل فكرى خالص - نتيجة الاعتقاد فى أن الفهم البشرى للدين و استقاء الأصول منه يختلف عن الدين المقدس فى حد ذاته - فإنه بلا شك تم بشكل عاطفى و نفسى نتيجة الخلاف الواضح و الصريح بين ثوابت و قيم الدين و بين العديد من الأصول و المنطلقات لهذه المرجعيات المغايرة ؛ خاصة فى فلسفاتها حول الوجود البشرى و أهدافه ، مما أحالها - من هذه النظرة - إلى مشاريع فكرية شريرة و هادمة .
4- ارتباط المرجعيات القومية بالمكان ، فالمكان هو جزء من المرجعية و يحدد كثيراً من منطلقاتها ، فبزوغ مرجعيات أخرى من أماكن مختلفة ، حينما تواكبه حالات الضعف و الاضمحلال ، يؤدى إلى اتهام هذه المرجعيات بالعدائية و من ثم فإن ذلك يكرس لنظرية المؤامرة و يؤكد على صحتها .
5- الظروف التاريخية ؛ التى مرت بها أمتنا ، و التى يمكن تفسير الكثير منها من خلال نظرية المؤامرة .
كل هذه الأسباب و غيرها ، أدت إلى رواج نظرية المؤامرة و تدعيمها ، بل و اعتبارها - فى بعض الأحيان - ثابت كونى لا يصح النقاش حوله .
3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة
على الرغم من قدرة نظرية المؤامرة التفسيرية للعديد من الظواهر التى مرت بها أمتنا ، إلا أنها وقفت عاجزة أمام الكثير من الأمور ؛ التى لا يمكن تفسيرها انطلاقاً من النظرية ، من أهم هذه الأمور :
1- الصراعات العنيفة التى دارت بين المرجعيات المختلفة و المغايرة تماما ؛ و هو ما ينفى أى شبهة تآمر أو تخطيط مسبق ؛ ذلك أن بعض هذه الصراعات وصلت إلى درجة التعدى العسكرى ، و هو ما يؤكد أن منطلقات هذه المرجعيات المغايرة لا يمكن اختزالها فى منطلقات تآمرية و حسب ، و هذه الصراعات قد تصور لنا أن المعركة هى معركة وجود بين مختلف الأطراف .
2- الخلافات الفكرية العنيفة بين المرجعيات و الايديولوجيات المغايرة ؛ بل و حتى بين أتباع الايديولوجيا الواحدة ، و التى عند تأملها نجد أنه قد بذل فيها مجهود فكرى و تنظيرى ضخم جداً ، و هو ما يصعب ترجمته من خلال نظرية المؤامرة .
3- غياب الدافع الحقيقى للتآمر عند الكثير من منظرى و أتباع المرجعيات المغايرة ، فلو افترضنا أن هذا التآمر هو ضد الفكرة الإسلامية ؛ فبماذا نفسر تآمر الكثير من اللادينيين أصحاب المذاهب الفكرية المختلفة .
4- البعد التاريخى ؛ و الذى يؤكد أن كثيرا من المرجعيات و الايديولوجيات المختلفة ، هى أصلاً مؤصلة من قبل ظهور الإسلام و تبلور الثقافة العربى ، فنظريات فلاسفة اليونان و الصين و مصر القدماء ؛ مليئة بالأفكار التى تتشابه إلى حد بعيد مع المرجعيات الغربية المغايرة ، فعلام كانت تتآمر هذه النظريات القديمة إن لم تجد أصلاً ما تتآمر عليه !!!!
5- الاقتناع الكامل بالكثير من المرجعيات الغربية من قبل العديد من المفكرين العرب و المسلمين ؛ مع احتفاظهم بالانتماء الوطنى و القومى ، و العدائية الكاملة لأعداء الأمة ، و هنا مثلاً لو ضربنا مثالاً على المرجعيات اليسارية ؛ فلاشك أن اليسار المصرى أو المغربى – برموزه البارزين - لم يتحالف يوماً مع اليسار الإسرائيلى .
هذه الأمور و غيرها ، لم تستطع – فى رأيى – نظرية المؤامرة ، إيجاد تفسيرات مقنعة لها .
4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية
أقصد بالمطلقية هنا ؛ الاعتقاد فى صحة النظرية المطلقة ، و اعتبار النظرية ثابت و منطلق نستطيع التحرك منه .
هنا ستصادفنا عدة إشكاليات من أهمها ؛ أن نظرية المؤامرة هى نظرية تفسيرية ، و التفسير يشغل موقعاً خطيراً و حساساً فى منظومة الفكر العام ، ذلك أن التفسير هو الذى يحدد المنطلقات و الغايات و الأهداف ، من هنا فإنه إن حدث خلل واضح فى التفسير ، فإن ذلك يوقعنا فى شرك الشرود الفكرى ، و من ثم فإنه يكرس لحالة الشرود الحضارى .
من السلبيات التى ستواجهنا أيضاً ، رؤية الآخر بنظرة معينة تقضى بأنه عدوٌ متآمر ، و من ثم رؤية كل ما أتى به على أنه منهج تآمرى فاسد ، و لا يحمل أى وجاهة و لا مبررات فكرية أو منطقية ، و كل ما يحويه من خير إنما هو من باب التمويه و دس السم فى العسل ، و ذلك المبدأ يخالف الطبيعة الإنسانية و البشرية ، و التى تقضى بأنه من المستحيل أن يجتمع كمٌ هائل من البشر على شر محض ، كما أنه يضعنا فى خانة العداء الشديد مع كل الأطراف المغيرة ، و هو ما ينقلنا إلى نقطة فى منتهى الخطورة ، و هى انتشار روح اليأس و الإحباط ، ذلك أن العالم كله يقف ضدنا .
توجد أيضاً إشكالية كبيرة ، و هى إلى حد ما تتعلق أيضاً بالاشكالية التفسيرية ، و هو أن كل الأسباب الداخلية و الحضارية التى أدت إلى تراجعنا و شرودنا ، سيتم إهمالها و يعول بشكل كبير على الأسباب الخارجية التى هى السبب الأول فى كل ما حدث لنا ، و بالتالى فإن المهمة الكبرى المنوطة بنا هى البحث عن نقاط ضعف أعدائنا و إظهارها ، فتتكاثف الجهود لذلك ، مهملة تماماً ، البحث عن نقاط القوة فى الذات و تدعيمها ، أى أننا سننشغل بهدم الآخر عن بناء أنفسنا .
كل ما ذكرته من سلبيات و إشكاليات ؛ فغنه يتعلق بالاعتقاد فى مطلقية النظرية ، لأن إهمال النظرية تماماً ، و الرؤية البريئة للآخر ، لها أيضاً العديد من السلبيات التى ربما تفوق ما قد سبق ، و لكن - فى رأيى – أن الأمر يصبح مفهوماً أكثر ، إذا فهم من خلال نموذج التمدد الحضارى و الفكرى .
5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة
فكرة التمدد الحضارى و الفكرى ؛ يتناولها البعض تحت عنوان صراع الحضارات ، و هو ما أرفضه ظناً منى أن الأمر تحت هذا العنوان يفقد الكثير من قدرته التفسيرية للكثير من الأحداث التاريخية التى مر بها الجنس البشرى .
الفكرة ؛ يمكن التعبير عنها بأن كل فكرة إنسانية – بسيطة كانت أو معقدة – بمجرد توليدها ، فإنها تدخل فى معركة لإثبات الوجود و الانتشار و السيادة على بقية الأفكار الأخرى المطروحة ، و هكذا الأمر يطبق على الايديولوجيات و المرجعيات المختلفة ، فكل منها يسعى للتمثل على أرض الواقع فى نموذج حضارى سائد و مثالى .
و هنا نجد أن الفرق واضح و كبير بين هذه الفكرة و بين نظرية المؤامرة ، فنظرية المؤامرة تفترض السعى لهدم الآخر ، أما فكرة التمدد الحضارى فتفترض السعى من أجل إثبات الوجود .
و انطلاقاً من هذه النقطة ؛ فإننا لا ننفى الخيرية و الوجاهة عن المرجعيات و الأفكار الأخرى ، و لا نفترض العدائية المباشرة بين الأطراف الأخرى ، و لكننا فى ذات الوقت لا نفترض حسن النية المبالغ فيها ، لأننا نعلم أن النماذج الحضارية المختلفة تسعى فى النهاية لإثبات وجودها ، بل و سيادتها على النماذج الحضارية الأخرى .
فى الختام ،، أعلم أن الموضوع كبير و معقد ، و لا يمكن تغطية كل جوانبه فى تدوينة بسيطة ، و لكن فى النهاية أتمنى أن أكون استطعت إيصال وجهة نظرى لحضراتكم ،،،، و الله المستعان .
اكثر من رائعة احسنت واحييك
ردحذف