الأربعاء، 19 مارس 2008

لحظة اللقــــــــــاء ..

ها هي ذا تعود لتجلس على ذلك الكرسي الهزاز القابع في أحد أركان غرفتها الصغيرة، وها هو الشرود يعاودها مرة أخرى ليسيطر على تفكيرها ويأخذها إلى شواطئ الحيرة الذي تعودت أن تقف على رمالها تتأمل أمواج بحر الغربة العاتية وهي ترسم أمامها صور أحب الناس إليها وكعادتها كانت تضم إلى صدرها صورة أمها الحبيبة التي لطالما كانت تلهج بذكرها في كل وقت فيرتسم طيفها أمامها لتنحدر دمعة دافئة من عيناها الجميلتين هي فيض تلك المشاعر التي كانت تملأ قلبها حباً وشوقا .. ويمر الوقت كعادته إذا كنا بعيدين عن الأحباب يكاد يخنقنا من شدة طوله وبطئه، وما زال شبحه يراودها حتى في منامها .. لقد كان قاسياً عليها كقسوة الصحراء على زهر الربيع، وكانت هي تحن إليه كحنين الأرض الجدباء إلى دمع الغمام .. كم هي قاسية هذه الحياة التي تعيشها .. وكم هي مظلمة تلك الدروب المتشعبة التي كانت تسلكها !! يقطع عليها خلوتها تلك صوت جرس الباب .. ولكن !! من الذي سيأتي في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. لقد فزع صغيرها من نومه فأخذته لتضمه إلى صدرها، ذلك الصدر الحنون الذي لطالما كان مستقره الأخير إذ أنه لم يجد صدر والده قريباً منه ليضمه إليه هو الآخر حيث قضى سنوات عمره في إتمام دراسته بعيداً عن زوجته وطفله الأول الذي فقد حناناً كبيراً منه .. هرعت مسرعة صوب الباب لتفتحه، من بالباب؟ .. وإذا بصوت رخم ظهر عليه أثار التعب يجتاحها ويتغلغل في أحشائها لتفر دمعة أخرى من عينها وتتلعثم في كلامها فتضع صغيرها جانباً وتفتح الباب لتقف صامته يكاد الشلل يسيطر على أطرافها ليسلبها ما تبقى لها من قوة .. يا للمفاجأة أنه هو !! رفعت عيناها في عينيه وكأنهما سبقاها إليه بالشكوى عن هذا الغياب وقسوة الوقت في بعده وفي نفس الوقت يأتي ذلك الشوق الدفين ليظهر ويزاحم تلك المشاعر فيتغلب عليها ويحرك في جسدها كل ما سكن فيأخذها إليه لترتمي في أحضانه وتضمه إلى صدرها بما أوتيت من قوة .. أخذ بيدها وأغلق الباب من خلفه وكأن الحياة عادت إليه بعد طول هذه المدة، فبدأ الدم الدافئ رحلته من جديد في عروقه المحبة لها .. حمل صغيره بين يديه ليقبله قبلة حارة كلها شوق و اعتذار في نفس الوقت ويعيده في سريره ليتم نومه .. أما هي فقد كانت تنظر إليه وكأنها تراه للمرة الأولى .. وبعد أن جلسا قرب المدفئة قدم لها أجمل هدية كانت تتمناها إذا قال لها بصوت منخفض .. لقد أنهيت دراستي وها أنا قد عدت لكي أبقى معك .. فلا فراق بعد اليوم ..


وقفه: هل طلب العلم يحول بين المحبين ويهدم ذلك العش الجميل الذي لطالما تحملوا الصعاب من أجله.

مواضيع من نفس التصنيف



هناك تعليق واحد:

ليصلك جديد المدونة

ادخل بريدك الالكتروني