الخميس، 10 أبريل 2008

الحركة المصرية من أجل التزويج

محمد عيسي


هناك وعلي مرمي البصر من الباب الرئيسي لجامعة القاهرة, تقع نافورة متواضعة لتزيين المنطقة, لكن يبدو أن الحكومة المصرية لم تكن تعلم أنه سيأتي يوم وتتحول فيه هذه النافورة وما حولها من (شجيرات متقطعة, مهملة ,ذابلة) إلى : قبلة يقصدها الفقراء الراغبين في إتمام نصف دينهم, وعصمة أنفسهم, وابتداء حياة جديدة مع شريك الحياة، ولاذوا بالشارع, ليقيموا ما يشبه الاحتفال, وما هو باحتفال, حيث زوارهم بعض الباعة المتجولين : كبائع البطاطا, وأكياس اللب والسوداني, وبعض الشحاذين المساكين, والعريس والعرُوس عليهم ثياب مُستأجرة, وعلي ملامحهم الضحك الذي يُخفي وراءه الحزن والهم من الدنيا حيث تم الزواج بعد السُلفة من البنك أو بالجمعيات التي يتم تدبيرها بين العائلات, وماذا يفعل ذوو الحاجة في ظل ارتفاع جنوني للأسعار, وانخفاض جنوني أخر في المرتبات ؟ (هذا إن وجدت الوظيفة الثابتة!!!


وتبدلت نظرة الكثيرين في مصر إلى المصري علي أنه سلعة تباع وتشتري, فمن معه أكثر يكسب ويأكل ويستهلك ويبجل أكثر, ومن لا يملك شيء... لا يستحق أي شيء...؟؟ فيما تغوص ثلة من الأغنياء في غناها الفاحش لتنفق علي ليلة واحدة مثلا: ملايين الجنيهات ببلاهة مقصودة ويتم الحجز في فنادق ال5 نجوم أو ال4 أو ال3 ويحضرها علية القوم في أبهة مقيتة, وربما تُعقد الصفقات في تلك الليلة, وترتكب فيها من الموبقات ما الله به عليم. إننا أمام مشهدين غاية في التناقض في بلد واحد وربما في حي واحد.


بات الزواج الذي هو حق طبيعي من حقوق الإنسان, كفلته له المواثيق الدولية, ومن قبلها الشرائع السماوية, حُلما يراود كل فتاه وفتي, في بلاد المعز لدين الله الفاطمي(أصبح الحق المكتسب حلما ؟؟؟) .
قال لي صديقي المتزوج وهو يحاورني :" ألا تري أن هناك أكثر من( 15000) دعوة لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفي, بالإضافة لتفشي ظواهر الانحلال الخلقي (معاكسات ومضايقات وخلاعة ومجون و...الخ ) هذا, فضلا عن مئات بل آلاف العلاقات غير الشرعية التي يمتلئ بها كورنيش النيل وكباري القاهرة وشوارعها, التي تحولت إلي نواد مكشوفة وما خفي كان أعظم,....لقد يأس كل هؤلاء أو معظمهم من الحلال العسير الصعب, فلاذو بالحرام الموسع(بتشديد السين) اليسير, ...لقد يأس كل هؤلاء أو معظمهم من إنفاق نصف أعمارهم ( متوسط سن الزواج في مصر يقارب الـ30) في السعي للحصول علي العمل الميري ثم الشقة......الخ. فلماذا التعقيد في الإجراءات, وأين السيدات من سنة السيدة خديجة, وأين البنات من سنة السيدة فاطمة، وأين الآباء من سنة الإمام سعيد بن المسيب, ومن قبله سيدنا شعيب الذي زوج إحدى بناته للاجئ سياسي, سيدنا موسي، لا يملك سوي أمانته وقوته بل ووفر له المسكن والعمل دون منه (بكسر الميم وتشديد النون) منه أو فضل, بل قال له بكل أدب واحترام: ( ذلك – أي عقد الاتفاق – بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله علي ما نقول وكيل )" .


واسترسل صاحبي في رأيه : "وكلنا لاشك درس التيسير من وجهة النظر الدينية، وربما سُئل عنها في الامتحانات فأجاب, بما حفظ من الآيات القرآنية, وأحاديث الرسول، والوقائع التاريخية, من سيرة السلف الصالح الثقاة, التي تُدلل علي قوله ولا داعي لذكرها أو تكرارها, فالجميع يعرفها وقليل من يطبقها".


فرد عليه صديق ثان- وهو في العشرينات من العمر وغير متزوج- من عشاق الثقافة الغربية :"عليك بالأوروبية فهي سوف تسكن معك حتى ولو في غرفة (تحت بير السلم) ولن تشق عليك, ولن تدخلك في دوامة ما قبل الزواج, التي هي في ثقافتنا وتقاليدنا وليست من ديننا ".

ثم تسائل صديقنا قائلا: "أتري أن الشباب المصري جاد في الزواج أم انه هازل يريد الراحة والدعة واللعب ببنات الناس ؟؟ أتري أن الفتيات المصريات جادات في الزواج أم أنهن هازلات مدللات يرغبن في العيش في مستوي والدها الذي تجاوز الـ50 علي الأقل ؟؟ وإذا افترضنا حسن النوايا, فلماذا لا يعبرون عن ذلك بصوت جهور عال, ليسمعهم الكل آبائهم وأمهاتهم إذا كان هذان هما السببان ,أو ليخرجوا علي التقاليد الاجتماعية والثقافية والظروف الاقتصادية المكبلة للارتباط ويعلنون العصيان المدني أمامهم, فلا تعنيهم الظروف الاقتصادية لكلا الطرفين, ولا الاجتماعية التي تحمل الراغب بأعباء ينوء عن حملها

".
ثم فاجأنا صاحبنا كعادته بقوله " لماذا لا يسعي الـ 9 مليون رجل والمرأة المتأخرين عن سن الزواج في مصر إلى تأسيس حركة للتغيير – خاصة وان في مصر وفرة من الحركات التي تنادي بالتغيير – لكنها هذه المرة من اجل الزواج ومن أجل الارتباط إنها حركة ترفع شعار( لا للعنوسة ولا للعزوبية ), (لا لتوريث الأفكار التقليدية البالية) ,(كفاية ...حرام ....زهقنا ...طهقنا ), ( تسقط تسقط حياة العزوبية)".


راح صديقنا الثالث- الذي بلغ سن الـ40 من العمر ولم يتزوج- يقول:" الشباب والشابات في مصر يرغبون, ويتمنون, ويتألمون, ويحترقون, لكنهم لا ينطقون ؟؟ لأن تربيتنا في العام العربي والإسلامي تربينا علي كبت عواطفنا, ونسيان حقوقنا, وإغلاق مشاعرنا, بل ودفنها في التراب".

ومضت تلك الليلة التي جمعتني بالأصدقاء الثلاثة, الذين صدمهم المشهد أمام النافورة : المتزوج الذي ساعده والده في بداية حياته , والأعزبان :الأول في الـ20 من عمره, يرغب في الزواج, لكنه لا يملك, ويداوم البحث عن صاحبة العيون الزرقاء والشعر الأشقر والبشرة البيضاء, التي تكافح وتصبر معه في الـ(بدروم )كما سماها هو , والآخر في الـ40 يملك مالا لكنه يعتبر نفسه ضحية ظروف مجتمع, جعلته يمتنع طوال كل هذه السنين, ويضيع زهرة شبابه, حتى إذا اصبح قادرا ماديا, لم يجد ما كان يتمناه.


قلت في نفسي إنها حقا مأساة .......إن هؤلاء الشباب هم عينه واقعية من المجتمع الذي أعيش فيه , إنهم جميعا محقون .... يبحثون عن الحلول, وسلكوا طرقا مختلفة: فالأعزب الصغير يفكر في الخارج مع سعيه للتمتع بشبابه, والأعزب الكبير, صبر طوال شبابه لكنه يعترف بان زهرة عمره قد ولت, وربما لن يمهله القدر لتربية أولاده, فحتى يراهم سيصبح هو شيخا هرما , والمتزوج يخشي علي مجتمعه ويسعي لصيانته وحفظه قدر المستطاع بالكلمة الحسنة أو الخطبة الرقيقة. عدت إلى غرفتي وأنا اردد بعلو صوتي : " إنها حقا مأساة ...مأساة ...مأساة


مواضيع من نفس التصنيف



هناك تعليق واحد:

ليصلك جديد المدونة

ادخل بريدك الالكتروني